هاجر الكثير من المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة اثر الضغط المتزايد الذي لاقوه من المشركين في مكة. ولهذا بعث الكفار مبعوثين عنهم حاملين معهم هدايا وافرة إلى النجاشي ملك الحبشة لارجاع المسلمين إلى مكة. طمَّع المبعوثان في البداية حاشية ملك الحبشة ثم جاءوا للملك قائلين له: (أيها الملك، انه قد ضوى (أي لجأ) إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا اليك فيهم اشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم، فهم أعلى بهم عيناً، واعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه).
كان المجلس لصالح الكفار من جميع النواحي وقد كان المشركون اعدوا من قبل المقدمات لكسب الموقف لصالحهم.
لكن باعتبار كياسة النجاشي ورفعته، طلب من المسلمين بيان مواقفهم; فبدأ جعفر بن أبي طالب (رض) بالحديث وعرّف بالاسلام وبالرسول(صلى الله عليه وآله) والقران فطلب النجاشي منه قراءة بعض من الآيات .
وباعتبار الزمان والمكان وباعتبار ان الحضور ينتمون إلى الديانة المسيحية قرأ آيات من القرآن تناولت ولادة عيسى - على نبينا وآله وعليه السلام - وهنا انقلب المجلس الذي كان قد أعد ليكون لصالح الكفار وبضرر المسلمين في البداية، انقلب لصالحهم وبدأت عيون النجاشي و رجال دينه تغرورق بالدموع. ان فصاحة القرآن وبلاغته وجاذبيته كانت بدرجة من التأثير على النجاشي حيث جعلته يرد هدايا الكفار ويسمح لجعفر والمسلمين بالاقامة في الحبشة إلى أي وقت شاءوا.
نموذج آخر لتأثير القرآن
ان النموذج الآخر لتأثير فصاحة القرآن وبلاغته هو قصة اسعد بن زرارة. ان قبيلة اسعد كانت لفترة طويلة في صراع محتدم بينها وبين قبيلة اخرى . فغادر اسعد يوماً ما المدينة إلى مكة قاصداً زيارة بيت الله والأصنام التي فيها، فواجه في الطريق احد المشركين حذره من السماع لساحر يجلس قرب حجر إسماعيل، فانشغل اسعد بالطواف الا انه عندما شاهد وجه الرسول النوراني فكر، ورجح السماع والاصغاء لما يقوله الرسول(صلى الله عليه وآله) وقرر ان يعرض عنه إذا كان كلامه غير منطقي وعندما اقترب من الرسول وسمع منه بعض الايات انجذب له إلى مستوى طلب منه تلاوة آيات أُخرى، فتلى الرسول له .. ثم أسلم. وحكى للرسول قصة الاختلاف بين قبائل المدينة ودعى الرسول للمجيء إلى المدينة لأجل حل هذه الاختلافات.